أثارت زيارة الفريق البرهان المفاجئة لتركيا لدي كثيراً من الدهشة والتساؤلات.
على رأسها من الذي يتخذ القرار في الحكومة الانتقالية وكيف يتم ذلك؟ اظن هناك عدة مستويات: قرارات فردية، وأخرى يتخذها مجلس السيادة بمفرده واخرى يقررها مجلس الوزراء ثم قرارات مشتركة، وهذه التعددية والعشوائية مصدر التناقضات والتضارب ومناوشات المسؤولين ومعاركهم الاعلامية. ولكن بالنسبة للسياسة الخارجية لابد من استراتيجية واضحة متفق عليها باجماع وتنفذ بالتزام كامل من كل المسؤولين.
من البدهيات أن أي استراتيجية تراعي المصالح العليا للوطن وان تعمل على اعلاء وضعية البلاد على المستوى العالمي. زيارة تركيا لم تضع في الاعتبار مصالح الوطن ولم تحترم كرامته لأن تركيا تحتضن عناصر معارضة للتحول الديمقراطي في السودان فقد وجد الإسلامويون الذين نهبوا أموال الشعب السوداني ملاذاً آمناً في اسطنبول واودعوا هذه الأموال في البنوك التركية باسعار فائدة مريحة مغرية وينشط الاعلام الاخواني من تركيا ويهاجم ويهدد الحكومة الانتقالية التي يصافح رئيس مجلس سيادتها اردوغان بكل حب وقد فعلها قبله حميدتي، واحتار كثيراً كيف يفهم هؤلاء المسؤولون العلاقات الودية بين الدول؟
منذ فترة ارادت تركيا تحسين العلاقات مع مصر وتبادل الزيارات ولكن مصر التي تدرك مصالحها جيداً اشترطت اولاً وقف نشاط الاخوان المعادي لها وقامت تركيا فعلاً بطرد عدد منهم حينها سمحت مصر باستقبال وفد تركي متواضع وليس على مستوى رئيس مجلس السيادة أو نائبه.
ثم نلاحظ نتائج الزيارة ونبدأ بالسؤال ماهي الاجراءات القانونية التي يسمح بها لدولة اجنبية ان تمنح مليون فدان صالحة للزراعة. هل يقوم أمير المؤمنين بمنح العطية وهو في حالة كرم حاتمي أم هناك قوانين واضحة لامتلاك الاجانب للاراضي السودانية؟ وبالنسبة للاستثمار هل هناك خطة قومية شاملة وعلمية ودراسات جدوى للاستثمار الاجنبي أم يمكن لأي شخص أو جهة أن يضرب جيبه أمام مسؤول
ويقول: أنا عندي كذا ألف يورو وعايز استثمر في هذا البلد المفتوح والهامل؟ وقد لاحظت ضمن الاستثمارات والمساعدات المستلزمات التكنولوجية، وعجبت كيف نستعين بتركيا في التكنولوجيا وهناك ألمانيا واليابان وكوريا وهي دول تمد تركيا نفسها بالتكنولوجيا.
هذه الزيارة ونتائجها دليل ناصع على ان هذه الثورة المجيدة يكتنف اداءها قدر كبير من الفوضى والارتجالية والعشوائية. ويظهر ذلك من الطريقة التي تمت بها ترشيحات وتعيينات المسؤولين من وزراء ووكلاء وولاة. فقد صعد كثير من الانتهازيين والمتسلقين خلال فترة الفراغ السياسي ثم جاءت الاحزاب بنهم المحاصصة واقتسام السلطة لتكمل تحويل الثورة المجيدة إلى غنيمة فقد صعدت عناصر فقيرة القدرات والاخلاق لتولي مواقع قيادية في الثورة.
نحن في حاجة لمراجعة هذه الوضعية وتصحيح المسار من خلال عملية تطهير لجهاز الخدمة المدنية والقيادات فهؤلاء هم الدولة العميقة الحقيقية والتي نصنعها ونحميها بانفسنا فلا بد من ثورة في الثورة قبل الندم وفوات الأوان.
وفي الختام تركيا ليست دولة صديقة طالما ظلت حصناً للاخوان تنطلق منها بيانات على كرتي وغيره من الفلول الفاسدين.
مفكر وأكاديمي سوداني