ولد لأسرة بسيطة، وأصيب بإعاقة حرمته من التعليم، إلا أن عزيمته نجحت في قيادته لقهر المستحيل والحصول على الماجستير والدكتوراة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف.
يقول محمد الكيلاني إنه ولد في محافظة الفيوم، جنوب القاهرة، لأسرة بسيطة مكونة من 8 أفراد، وكان ترتيبه الثالث فيهم، بينما كان يعمل والده مكوجي مهنة كي الملابس,
وأصيب الكيلاني بمرض شلل الأطفال في عمر سنة ونصف السنة، وهو ما دفع أهله لعدم إلحاقه بالمدارس خوفا عليه من تعرضه لأي هزة نفسية أو تنمر.
مصاعب جمة
“بدأت منذ نعومة أظافري البحث عن عمل خاص، لكني لم أستطع العمل في مهنة والدي بسبب ظروفي الصحية، ثم بدأت أعمل في مهنة الترزي (الخياط) ولم أفلح فيها أيضا، ثم بدأت في العشرينات من العمر البحث عن مهنة أخرى مثل توزيع مواد على البقالة باستخدام الكرسي المتحرك، ثم اتجهت لبيع اللب والتسالي خاصة مع ظروفي الصحية وعدم حملي شهادة تعليمية”. هكذا يصف الكيلاني بداية حياته وما واجهها فيها من مصاعب.
تعلم القراءة والكتابة
لكن هذه الظروف الصعبة لم تثنه عن التعليم، ويقول: “بدأت أتابع إخوتي أثناء تعلمهم في البيت، وتعلمت من خلال ذلك القدرة على القراءة والكتابة، ثم بدأت أنفق مصروفي على القراءة وشراء الجرائد وبعض الكتب الدراسية، مثل كتب الجغرافيا والتاريخ وبعض القصص الخاصة بالأطفال في ذلك الوقت مثل قصص ميكي، والمغامرون الخمسة، ورجل المستحيل، وغيرها من القصص، فضلا عن استعارة المجلات من أحد أصدقائي، فكنت نهما للقراءة قبل حصولي على أي شهادة”.
ويوضح الكيلاني “أفسحت لي أختي التي كانت تعمل مُدرسة الفرصة لاستعارة الكتب من مدرستها فانهمكت في قراءة الكتب للعقاد ونجيب محفوظ وغيره، وحاولت محاكاة ما أقره عبر محاولة كتابة روايات أو قصص أو شعر ثم شاركت في المنتدى الثقافي لمدينة الفيوم”.
وأضاف “كنت أخجل من ذكر أني لا أحمل أي شهادة، ولم استطع دخول مسابقات في القصة القصيرة بسبب عدم حصولي على شهادات وحصلت على جائزة في مسابقة شاركت فيها باسم اختي وكنت سعيدا جدا بحصولي على جائزتها”.
النشاط الرياضي
لم تمنع إعاقة محمد من تردده على الأندية الرياضية في محافظة الفيوم لينضم للفرق الخاصة بالمعاقين في لعبتي كرة الطائرة والسلة، وهو ما أتاح له التنقل بين المحافظات ورؤية عوالم أخرى، وخلال رحلة إلى بورسعيد فكر في تجارة الملابس وبدأ السفر إلى هناك لجلب ملابس وبيعها.
وأثناء اللعب في الأندية الرياضية للمعاقين عرض أحد الزملاء عليه العمل في دار للسينما بالفيوم، حيث عمل هناك قرابة عامين في بداية التسعينيات من القرن الماضي، ليتعرف على السينما والمؤلفين والأعمال الفنية.
شهادة التأهيل المهني
حصل الكيلاني على شهادة في التأهيل المهني في نسج السجاد، ثم تم تعيينه في وظيفة عامل خدمات بمديرية الطب البيطري في الفيوم عام 1993، وخلال عمله في قسم الأرشيف لاحظ فروق المؤهلات في المرتب بسبب عدم حصوله على شهادات، فدفعه ذلك للتقدم إلى شهادة محو الأمية وحصل عليها، ثم حصل على مستوى آخر في محو الأمية يساوي شهادة الابتدائية.
التقدم في الدراسة والوصل إلى الجامعة
ويكمل الكيلاني “واصلت القراءة وتثقيف نفسي في الوقت نفسه حتى حصلت على الشهادة الإعدادية، وكنت الأول على مستوى طلاب المنازل، وأكملت دراسة في المرحلة الثانوية، ودخلت إلى القسم الأدبي بهدف الوصول في إحدى الكليات التي تقبل المعاقين في جامعة الفيوم، حيث التحقت بكلية دار العلوم وواجهتني مشكلة وجود الكلية في الدورين الرابع والخامس”.
وتابع: “وهنا واجهت مشكلة كبيرة وهي عدم وجود مصعد في الكلية، فاعتمدت على حمل الزملاء لي لكل هذه الأدوار بالكرسي الحديدي، واستمريت لأربع سنوات وواكبت بين دراستي وتعييني الذي كان قريبا من الكلية، فكنت أتنقل بين الكلية والتعيين وبين السكن دون مساعدة أحد، ثم جاءني خبر سار في السنة الرابعة من الدراسة الجامعية بنقل تعييني إلى الجامعة كإداري ليصبح عملي قريبا من دراستي”.
حصل الكيلاني على بكالوريوس دار العلوم عام 2003 ثم أكمل المسيرة بالدخول للدراسات العليا عام 2004 في قسم النحو والصرف، وسجل رسالة في عام 2005 في موضوع “منهج النحاة في الاستدلال بالحديث النبوي الشريف بين النظرية والتطبيق” ثم حصل على الماجستير عام 2009 بتتقدير امتياز، رغم اعتقاد الطلاب أن دراسة أصول النحو صعبة للغاية لكنه اعتبر الأمر تحديا شخصيا له.
الزواج والدكتوراة
ويضيف محمد “تزوجت في هذه الفترة وقد شغلني الزواج والأسرة قليلا عن حياتي العلمية ثم حصلت على الدكتوراه في عام 2018 من كلية الآداب التي كانت تقبل الدارسين من خارجها، وكانت رسالة الدكتوراه بعنوان “مسائل سيبويه النحوية في كتب تفسير الأندلسيين… توفيق ودراسة”، وقد استغرقت مني الدراسة جهدا كبيرا في البحث عن المخطوطات، والمعلومات التي تفيد دراستي حتى حصلت على الدكتوراة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف”.
اتجه محمد الكيلاني بعد ذلك للعمل في ترجمة الكتب باللغة الإنجليزية لحسب بعض المنصات والتي تخص مجال الاقتصاد والمال، فكان يراجع الكتب المترجمة ويعيد صياغتها متبعا أسلوبا رائعا، وترقى محمد ليعمل في جامعة الفيوم اخصائي شؤون تعليم باعتباره من الكادر الإداري وليس الأكاديمي.
معجم اللغة العربية التاريخي
ويتحدث الكيلاني باعتزاز عن نفسه قائلا: “تم اختياري للعمل في معجم اللغة العربية التاريخي التابع لاتحاد المجامع العربية، وهو اتحاد يخص العالم العربي كله ويشارك في عمله علماء لغة من خمس دول عربية على رأسها مصر والسعودية والإمارات”.
وتابع: “وقد رشحني مجمع اللغة العربية في مصر للمشاركة في إعداد هذا المعجم الذي يعد أفخم معجم للغة العربية يجري العمل عليه حاليا، وأشارك في إعداده ضمن فريق كبير مكون من أكثر من 500 عالم في النحو على مستوى العالم العربي، وهو ما أسعدني كثيرا”.
تأليف الكتب
ويتطلع محمد حاليا لتأليف كتاب في التنمية البشرية يخص ذوي الإعاقة لمشاركتهم همومهم وأحلامهم وتحدياتهم، فضلا عن كتابته بعض المقالات الصحفية في بعض الصحف مثل الأهرام لإبراز الجانب الإيجابي في حياة ذوي الإعاقة.
ويختتم الكيلاني حديثه: “أطالب كل شخص بعدم الاستسلام واكتشاف قدراته وإمكاناته، وأن يكون نقطة مضيئة للمجتمع حول، وتقليل احتياجه للبشر، والاستقلال بذاته دون الاعتماد على أحد، وأن يتعلم العطاء، لأن الله لن يضيع أجر من أحسن عملا، ما يجعل كل فرد مفيدا لنفسه ولأسرته ومجتمعه وبلده”.