سحر رجب
في حكم يُعد خطوة تاريخية نحو المساواة الجندرية، أصدرت المحكمة الدستورية العليا في جنوب أفريقيا، أمس الخميس قراراً يسمح للرجال قانونياً بحمل ألقاب زوجاتهم بعد الزواج، مع إبطال قانون قديم كان يحصر هذا الحق في النساء فقط.
هذا الحكم، الذي جاء بعد طعن قضائي قدمه زوجان، يُبطل تركة استعمارية تعود إلى عصر الفصل العنصري، ويُعزز قيم الدستور الذي أُقر عام 1994 بعد نهاية نظام الأبارتايد.
القرار يأتي بعد أن أعلنت المحكمة عدم دستورية البند 26(1)(أ-ج) من قانون تسجيل المواليد والوفيات لعام 1992، والذي كان يفرض على الرجال الحصول على إذن خاص من المدير العام لوزارة الشؤون الداخلية لتغيير أسمائهم، بينما تتمتع النساء بحق تلقائي في أخذ لقب أزواجهن أو العودة إلى لقبهن السابق.
ووصفت المحكمة هذا التمييز بأنه “غير عادل وغير مبرر”، مشيرة إلى أنه يعزز الصور النمطية الضارة للرجال كـ”رؤوس عائلات” ويحد من حرية الاختيار الشخصي، مما ينتهك المادة 9 من الدستور المتعلقة بالمساواة أمام القانون، والمادة 10 الخاصة بالكرامة الإنسانية.
خلفية القضية: تحدي من زوجين ضد إرث استعماري
بدأت القضية في محكمة عالية في مقاطعة فري ستايت، حيث رفع الزوجان هنري فان دير ميروي ويانا يوردان، وأندرياس نيكولاس بورنمان وجيس دونلي بورنمان، دعوى قضائية ضد وزارة الشؤون الداخلية ووزارة العدل. طالب فان دير ميروي بأخذ لقب زوجته يوردان، بينما أراد بورنمان إضافة لقب زوجته “دونلي” ليشكل اسماً مزدوجاً، لكنهما واجها رفضاً بسبب القانون القديم.
أيدت المحكمة العليا في بلومفونتين الطعن، وأحالت الأمر إلى المحكمة الدستورية للتأكيد.
وفقاً للحكم الصادر بقلم القاضية ليونا ثيرون، فإن هذا القانون “يُمثل إرثاً استعمارياً” فرضته الدول الأوروبية الاستعمارية والمبشرون المسيحيون على الثقافات الأفريقية، حيث كانت النساء في العديد من الثقافات الأفريقية تحتفظن بأسمائهن الأصلية، ويأخذ الأطفال اسم عشيرة الأم.
قالت ثيرون: “عدم القدرة على أخذ لقب الزوجة يتناسب تماماً مع تعريف التمييز… يُعزز هذا النظام الزوجي التمييز الجنسي الذي يُعمق عدم المساواة بين الجنسين”. كما أشارت إلى أن “قرار أخذ لقب الشريك أمر ذو أهمية حاسمة للكثيرين، ومنع هذا الخيار يُعيق تحقيق الإنسان لسعادته الشخصية في جانب حياتي مركزي”.
لم تعارض الوزارتان المسؤولتان الطعن، بل أيدتا الحاجة إلى تعديل القانون ليتوافق مع الدستور، واقترحتا تعليق الإبطال لمدة 24 شهراً ليتمكن البرلمان من سن تشريع جديد يسمح بتغيير الأسماء للجميع دون قيود جنسية. خلال هذه الفترة، سيُسمح مؤقتاً بتغيير الأسماء للزوجين دون التقيد بالبند المُبطل، مع إلزام وزارة الشؤون الداخلية بدفع تكاليف الدعوى.
إنجازات وتأثيرات أوسع: خطوة نحو المساواة الحقيقية
يُعد هذا الحكم جزءاً من سلسلة إصلاحات في جنوب أفريقيا لمكافحة التمييز الجندري الموروث من عصر الفصل العنصري.
منذ اعتماد الدستور عام 1994، شهدت البلاد تقدماً ملحوظاً في حقوق المرأة، مثل زيادة تمثيل النساء في البرلمان إلى نحو 46%، وإصلاحات في قوانين العنف الأسري. ومع ذلك، يُبرز الحكم استمرار بعض الإرث الاستعماري في القوانين اليومية.
كما أكدت جمعية محاميي فري ستايت: “يُعزز القانون السابق الصور النمطية الضارة، حيث يُحرم الرجال من خيار متاح للنساء”.
على الصعيد الأوسع، يُتوقع أن يلهم هذا القرار دولاً أفريقية أخرى لمراجعة قوانينها المتعلقة بالأسماء والزواج، خاصة في سياق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، التي تؤكد على المساواة بين الجنسين (الهدف 5).
قال الرئيس سيريل رامافوزا، الذي وقع على الاستئناف قبل عامين، إن “هذا الحكم يُعزز قيم مجتمعنا الديمقراطي، ويُساهم في بناء هوية شخصية حرة لكل مواطن”.
بهذا الحكم، تُؤكد جنوب أفريقيا التزامها بقيم المساواة، محولة تقليداً قديماً إلى فرصة للاختيار الحر، في خطوة قد تغير وجوه العائلات الأفريقية إلى الأبد.