القاهرة .. محمد خليل
بعد اللقاء المشحون بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، يزداد الغموض حول مصير الحرب في أوكرانيا.
فقد شهد الاجتماع، أمس الجمعة، مشادة كلامية غير متوقعة بين الطرفين، مما أدى إلى تأجيل توقيع اتفاقية المعادن التي كانت تعد حجر الزاوية في العلاقات بين واشنطن وكييف.
هذا التأجيل ألقى بظلاله على موقف الولايات المتحدة من الحرب، حيث أظهر الدعم الجمهوري لترامب طريقة تعامله مع زيلينسكي، بينما اجتمع الديموقراطيون في إدانة التصرفات التي اعتبروها تقويضًا لدور أميركا في الأزمة الأوكرانية.
ومع تأجيل الاتفاقية، تزداد أيضا المخاوف من أن ذلك قد يؤثر سلبًا على قدرة أوكرانيا على تحقيق تقدم في الحرب.
وفي ظل هذا الانقسام، بات السؤال يطرح حول تبعات هذه التوتر على العلاقات الأميركية الأوكرانية في المستقبل؟ وهل سيؤثر ذلك على تعهد ترامب بوقف الحرب في أوكرانيا؟
علاقات مستمرة رغم المشادة الكلامية
جيم تاونسيند، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق للسياسات الأوروبية وحلف الناتو، أكد أن السياسة التي يتبعها الرئيس ترامب في التعامل مع أوكرانيا تختلف بشكل جذري عن تلك التي انتهجها الرئيس السابق جو بايدن.
وأشار تاونسيند إلى أن ترامب كان قد ذكر في أكثر من مناسبة أن سياسته تهدف إلى تصحيح “الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأميركية السابقة”، وأن هدف الرئيس ترامب الأساسي من لقائه مع زيلينسكي كان إبرام اتفاقية المعادن.
وأوضح تاونسيند أن المشادة الكلامية لن تكون في مصلحة الولايات المتحدة، ولكنه أكد في الوقت ذاته أن هذا الحدث لن يؤدي إلى إنهاء العلاقة بين البلدين.
وأضاف أن المبعوث الأميركي الخاص للمفاوضات بين موسكو وواشنطن وكييف، كيث كيلوغ، سيواصل دوره في استئناف المفاوضات والعمل على استعادة المسار الدبلوماسي.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة ترغب في الحفاظ على علاقاتها مع أوكرانيا لأن لديها مصلحة في إبرام اتفاقية المعادن، موضحا أنه رغم وجود اختلافات بين ترامب وزيلينسكي، لكنه توقع أن تستمر الجهود لتعزيز العلاقة بين البلدين ومحاولة تجاوز التوترات.
اتفاقية المعادن والدعم الأميركي
إيفان يواس، الأستاذ في المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية في كييف، قال في تصريح لموقع “الحرة” إن كييف لم تكن تتوقع الكثير من زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن، خصوصًا بعد الانتقادات الحادة التي وجهها الرئيس ترامب لزيلينسكي في الأسابيع الأخيرة.
وأشار يواس إلى أن ما حدث في البيت الأبيض كان بمثابة “صدمة” للأوكرانيين، ولكنه أضاف أن المفاوضات بين الطرفين ستستأنف في وقت لاحق.
وأوضح أن أوكرانيا تركز على توقيع اتفاقية المعادن، لأنها تعتبرها حافزًا رئيسيًا للرئيس ترامب للاستمرار في دعم أوكرانيا.
وبحسب يواس، فإن أوكرانيا ليست مستعدة في الوقت الحالي لإجراء مفاوضات مع روسيا التي تسعى للاحتفاظ بالأراضي التي سيطرت عليها منذ عام 2014.
ورغم استعداد كييف لمواصلة الحوار مع واشنطن، استبعد يواس أن يقدم ترامب أي ضمانات أمنية لأوكرانيا، خصوصًا تلك التي قد تمنع روسيا من غزو أراضٍ أوكرانية في المستقبل.
وأوضح يواس أن موقف ترامب كان واضحًا عندما رفض انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، مشيرًا إلى أن هذا الموضوع ما زال قيد النقاش في سياق حصول كييف على ضمانات أمنية.
وتوقع يواس أن تستأنف المفاوضات مع واشنطن من أجل توقيع اتفاقية المعادن، ولكنه استبعد الحديث عن أي اتفاقية سلام في الوقت الراهن، لأن أوكرانيا تعتبر ذلك بمثابة استسلام في ظل الظروف الحالية.

ضمانات أمنية مقابل اتفاقية المعادن
شبرمة ياسين، الصحفي المتخصص في الشؤون الأوروبية والدولية، استبعد أن يقدم الرئيس ترامب في الوقت الراهن أي ضمانات أمنية لأوكرانيا.
وأوضح أن على أوكرانيا الآن أن تعمل على تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي للحصول على الدعم الذي تحتاجه في ظل التوترات المستمرة مع روسيا.
وأشار ياسين إلى أن تقديم الضمانات الأميركية سيكون مرتبطًا بتوقيع اتفاقية المعادن، التي يعتبرها الرئيس ترامب ذات أهمية كبيرة لتعزيز اقتصاد الولايات المتحدة.
وأضاف ياسين أن هناك تحولًا استراتيجيًا في العلاقات الغربية، خاصة في العلاقات بين واشنطن والقارة الأوروبية،، مشيرا في هذا الخصوص إلى تصريح وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي التي أكدت ضرورة أن يكون هناك زعيم من العالم الحر لقيادة أوروبا في هذه المرحلة الصعبة.
وأوضح ياسين أن الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن غير قادر على تقديم أي ضمانات لأوكرانيا في مواجهة التوغل الروسي، وذلك بسبب نقص المعدات العسكرية والتمويل، وصعوبة تزويد أوكرانيا بالأسلحة التي تحتاج إليها.
وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن علاقته بدونالد ترامب قادرة على الصمود ، وشدد على أنه “لا يوجد أحد يريد إنهاء الحرب أكثر منا”.
وقال زيلينسكي لشبكة فوكس نيوز إنّه يمكن “بالطبع” إصلاح العلاقات بين البلدين “لأنّ هذه علاقات تتجاوز حدود الرئيسَين، إنّها علاقات قوية وتاريخية بين شعبينا”.
وشدد زيلينسكي على أنه يريد أن يكون ترامب “أكثر إلى جانبنا” في المفاوضات لإنهاء النزاع، وأشار إلى أنه سيكون “صعبا” على بلاده أن تنتصر في الحرب أو أن تتصدى لروسيا إذا لم تتواصل المساعدات الأميركية.
وغادر زيلينسكي البيت الأبيض بشكل مبكر الجمعة بعد مواجهة كلامية غير مسبوقة مع ترامب في المكتب البيضوي
وهدد الرئيس الأميركي ضيفه بالتخلي عن أوكرانيا إذا لم يقدم تنازلات لتسوية النزاع مع روسيا.
واتهم ترامب نظيره الأوكراني الذي جاء لطلب الدعم من واشنطن بعد ثلاث سنوات على بدء الحرب ضد روسيا، بأنه “أظهر عدم احترام للولايات المتحدة في مكتبها البيضوي”، وأنه “وضع نفسه في موقف سيئ جدا”، وبأنه “ليست لديه أي أوراق في يده” للمساومة.
غير أنّ ترامب قال على شبكته الاجتماعية تروث سوشل إن ضيفه “يمكنه العودة عندما يكون مستعدا للسلام”.
وأكّد ترامب أنه يريد “وقفا لإطلاق النار الآن” في أوكرانيا، وقال للصحافة أثناء مغادرته البيت الأبيض لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في فلوريدا، إن زيلينسكي “بالغ في تقدير موقفه”، منتقدا معارضة زيلينسكي لوقف إطلاق النار مع روسيا.