أخبار عاجلة

بعد إعلان نيويورك: هل تنقذ دبلوماسية الدولتين غزة من “عربات جدعون” وطموحات نتنياهو الكبرى؟

اسماعيل خفاجي

أنهى المؤتمر الدولي لحل الدولتين، الذي عقد في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك يومي 22-23 سبتمبر 2025، بإصدار “إعلان نيويورك” الذي حظي بتأييد استثنائي من عشرات الدول، مؤكداً ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية كحل وحيد للصراع، وداعياً إلى وقف فوري للحرب في غزة، وإطلاق سراح الرهائن، وإعادة إعمار القطاع.

برئاسة سعودية-فرنسية مشتركة، شهد المؤتمر اعترافات جديدة بدولة فلسطين من دول مثل موناكو، ودعوات لتحويل المواقف إلى أفعال ملموسة، بما في ذلك فرض عقوبات على إسرائيل إذا استمرت في “الإبادة الجماعية”.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل ينجح هذا الزخم الدبلوماسي في نزع فتيل الحرب، أم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يصر على “حلم الدولة الكبرى”، محولاً غزة إلى ساحة للتهجير والاحتلال.

دبلوماسية السلام أم توريط إقليمي؟: ترامب يضغط على العرب

في خطاب أمام الأمم المتحدة، وصف ترامب اجتماعه مع قادة عرب ومسلمين، بما فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بـ”الأهم في حياتي”، معلناً أنه “سنضع حداً للحرب في غزة” عبر خطة تشمل إرسال قوات عربية لتشكيل قوة استقرار تحل محل الجيش الإسرائيلي.

 

ومع ذلك، يرى محللون أن ترامب يحاول “توريط العرب عسكرياً” مقابل وقف الحرب، بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بعد عامين من الصراع، الذي أودى بحياة أكثر من 45 ألف فلسطيني وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.

وفي لقاء مع نتنياهو، أكد ترامب أنه “سيكون هناك نهاية حاسمة خلال أسابيع”، لكنه فاجأ حليفيه بضربة على قيادات حماس في قطر، مما أثار اتهامات بـ”الانحياز غير المشروط” لإسرائيل.

حماس نفت رفضها للاتفاقات، محملة نتنياهو “المعرقل الوحيد”، معتبرة أن ترامب “عاجز عن التراجع” أمام ضغوط اللوبي الإسرائيلي.

موقف عربي-أوروبي موحد: الضغط الدولي يتصاعد

يأتي نجاح المؤتمر في وقت يزداد فيه الضغط على إسرائيل، حيث أصدرت رئاسة المؤتمر بياناً مشتركاً يطالب بـ”تحويل المواقف إلى أفعال”، بما في ذلك وقف تصدير الأسلحة إليها.

ومع ذلك، يظل الموقف الأوروبي منقسماً: فيما أدانت 8 دول أوروبية، بما فيهن ألمانيا وبريطانيا، “خطة الاحتلال” ورفضت “أي تغيير ديموغرافي” في غزة، شهد اجتماع وزراء الخارجية في كوبنهاغن خلافات حول “صوت موحد”، مع دعوات لعقوبات اقتصادية قوية.

أما على الصعيد العربي، فإن مصر والسعودية قادتا الجهود لتشكيل “موقف موحد” مع أوروبا، كما أكد مركز بروكسل للبحوث، مشددين على أن “الكلمات لا تكفي” ويجب الضغط لوقف “الإبادة الممنهجة”.

وفي بيان السلطة الفلسطينية، رحبت بـ”الزخم الدولي”، بينما تمسكت حماس بـ”سلاح المقاومة” كوسيلة للدفاع.

مصر والسيسي: الثبات الوحيد في بحر المتغيرات

في خضم هذا التصعيد، برزت مصر كالدولة الوحيدة التي حافظت على “موقف ثابت” طوال الحرب، كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلماته المتكررة. وصف السيسي الحرب بـ”إبادة جماعية ممنهجة تجاوزت أي منطق”، محذراً من أن إسرائيل “تلعب بالنار” وتجر المنطقة إلى “حرب ضروس عواقبها لا يعلمها إلا الله”، مشيراً إلى “مخطط صهيوني لطمس الهوية العربية والإسلامية وتغيير خارطة الشرق الأوسط”.

منذ بداية الصراع، ساهمت مصر في إدخال أكثر من 600-700 شاحنة مساعدات يومياً إلى غزة والنازحين جنوب القطاع، عبر معبر رفح، رغم الضغوط الإسرائيلية.

وفي كلمة أمام نظيره السنغافوري، أكد السيسي رفض “أي محاولات للتهجير”، مؤكداً أن “سيناء أرض بديلة” غير واردة، وأن “أمن مصر خط أحمر”، مكشفاً “المستور” عن خطط إسرائيلية للتهجير القسري.

هذه المواقف، التي استمرت لـ18 عاماً في تجنب التصعيد، وصفت بـ”الإيجابية الوحيدة” في المنطقة، كما أشاد بها الرئيس الفيتنامي.

“عربات جدعون”: لعبة الكراسي الموسيقية تنتهي بفشل إسرائيلي

أما عملية “عربات جدعون”، التي أطلقتها إسرائيل في مايو 2025 بهدف “احتلال غزة بالكامل” و”تفكيك حماس”، فهي تمثل “لعبة الكراسي الموسيقية” في التهجير والاحتلال، كما وصفها مراقبون.

سميت على اسم قصة توراتية لجدعون، الذي هزم المعسكرات بـ”عربات”، لكنها مرت بثلاث مراحل: توسيع الاحتلال، ضربات على حماس، وإعادة السيطرة، لكن وثيقة إسرائيلية مسربة كشفت فشلها في إعادة الأسرى واستنزاف القوات، مما دفع نتنياهو إلى “الإبادة المستمرة” لشعب غزة كـ”هروب من الملاحقة الدولية”.

حتى حاخام إسرائيلي سخر من التسمية، معتبراً إياها “سخرية” أمام “الصمود الفلسطيني”.

ومع ذلك، يرى خبراء أن “حلم الدولة الكبرى” يظل “شغل إسرائيل الشاغل”، لكنه قد ينتهي بـ”هزيمة نكراء” إذا تصاعد الضغط الدولي.

في الختام، يبقى نجاح الدبلوماسية مرهوناً بتوحيد المواقف العربية والأوروبية، مع ثبات مصر كـ”الصوت الثابت”. هل ينجح إعلان نيويورك في إيقاف “عربات جدعون”، أم تستمر غزة في دفع ثمن طموحات نتنياهو؟ الإجابة تكمن في الأسابيع المقبلة، حيث يُتوقع رد إسرائيل على الاعترافات الجديدة بدولة فلسطين بعد لقاء ترامب-نتنياهو.

 

عن وجه افريقيا