يسود طقس بارد في مدينة مراكش.. هذا يوم مثالي لإسماعيل للتوجه صوب مطعم “مسعود” وتناول “البيصارة”، طبقه المفضل خلال هذه الفترة من العام التي تتميز ببرودة الطقس بالمغرب.
يقول إسماعيل، (33 عاما) ، “أفضل وقت لتناول حساء “البيصارة” هو حينما يكون الطقس باردا، إنها سلاح فعال لمواجهة البرد، خلال فصل الشتاء“.
ومثل إسماعيل يقبل عدد من المغاربة خلال هذه الفترة من العام على بعض الأطعمة الشعبية، لمواجهة انخفاض درجة الحرارة، وتعتبر “البيصارة”، من أشهر الأطباق التي تلقى إقبالا كبيرا خلال فصل الشتاء بشكل خاص، في جميع مناطق المغرب، لاسيما في المناطق الجبلية التي تعرف بقساوة الطقس.
و”البيصارة” أو البيصر” هي عبارة عن حساء يتكون غالبا من الفول المجفف وأحيانا من البازلاء اليابسة، حيث تضاف لواحد منهما كمية من زيت الزيتون وبعض التوابل كالكمون والثوم.
ملكة الأكل الشعبي
“نواجه في المغرب فصل الشتاء بالملابس الشتوية الصوفية، وأيضا بواجبات ساخنة تمد الجسم بالطاقة الضرورية والدفئ من أجل التصدي للبرد القارس، خاصة في “الليالي” وفي المناطق التي تشهد أمطار وثلوج”. يتحدث إسماعيل عن “البيصارة”، كجزء من الأطعمة الأساسية خلال فصل الشتاء في المغرب.
ويضيف، إسماعيل، “البيصارة” في متناول الجميع، فثمنها لا يتعدى 5 دراهم، ونطلق عليها في حينا لقب “ملكة الأكل الشعبي“، لأنها تجمع بين الثمن المناسب والمذاق اللذيذ، الذي لا يمكن مقاومته، فهي محبوبة الجماهير هنا ولها شعبية كبيرة”.
ويلقى هذا الطبق الذي ينتشر بشكل كبير في الأحياء الشعبية، إقبالا كبيرا من لدن فقراء وأغنياء المغرب، غير أنه يعرف بشعبيته الأكبر وسط الفئات الفقيرة، نظرا لانخفاض سعره الذي لا يتجاوز خمسة دراهم للشخص الواحد، (حوالي نصف دولار).
إقبال كبير
مسعود الذي يقدم هذا الطبق يوميا لزبائنه في مطعمه وسط مدينة مراكش، يقول لـ”سكاي نيوز عربية”، “الإقبال يزاد بشكل أكبر على هذا الحساء الساخن، خلال فصل الشتاء البارد، بينما يفضل المستهلكون المأكولات الخفيفة والعصائر البادرة في فصل الصيف”.
ولتغطية الطلب المتزايد على “البيصارة” خلال هذه الفترة من السنة يقول هذا الرجل الستيني “أقوم بتحضير حوالي 30 كيلوغراما من الفول المجفف”، مضيفا أنه يحرص على وضعها في آواني من الطين قبل تقديمها لزبائنه للمحافظة على سخونتها.
وبحكم الطابع السياحي لمدينة مراكش يقول مسعود أن جزءا ممن يأتون إلى مطعمه أجانب، بعضهم سياح والبعض الآخر مقيم في المدينة الحمراء، ويقودهم فضولهم لاكتشاف مأكولات محلية وشعبية من ضمنها “البيصارة”، والتي أعجب معظمهم بمذاقها الفريد، وأضحى بعضهم مدمنا على تناولها، على حد قوله.
وتقدم “البيصارة” ساخنة في مطعم مسعود وغيره من المطاعم المتخصصة في تقديم هذا الطبق الشعبي، مع خبز قمح أو شعير، قبل أن يضاف إليها قليل من زيت الزيتون والفلفل الحار والكمون.
تحضيرها في البيت
تحضير “البيصارة” لا يقتصر فقط على المطاعم الشعبية، بل يتم إعدادها أيضا داخل المنازل لاسيما في فصل الشتاء، مع اختلاف بسيط في طريقة تحضيرها من منطقة إلى أخرى.
تفضل خديجة وهي ربة منزل من الدار البيضاء تحضير “البيصارة” في بيتها، وتقول “أفضل أن أعدها بنفسي في البيت، فطريقة تحضريها سهلة جدا، وغالبا ما يطلبها أبنائي كوجبة للعشاء في الليالي الباردة، كالتي نعيشها هذه الأيام”.
ويتطلب إعداد “البيصارة” حسب خديجة، نصف كيلو من الفول اليابس الذي تضاف إليه بعض البهارات من كمون وملح وفلفل أحمر وأسود، إلى جانب الثوم وزيت الزيتون، حيث تطبخ كل هذه المكونات وفق خديجة، مع الماء لمدة نصف ساعة ثم تطحن، وتعاد بعد ذلك إلى القدر لتطبخ من جديد مع تحريكها بشكل مستمر، لمدة ربع ساعة قبل أن تصبح جاهزة للتقديم.
وتشير خديجة إلى أن هناك من يضيف بعض الخضار لمكونات “البيصارة”، كما أن هناك من يعوض زيت الزيتون بزيت الأركان حسب المناطق، إلا أن الفول يبقى المكون الرئيسي لهذا الطبق المشهور داخل المغرب.
فوائد غذائية
وتحتوي “البيصارة” في تركيبتها على مواد غذائية ذات قيمة عالية، حسب أخصائيي التغذية، اللذين ينصحون بتناولها طوال أيام السنة، وعدم الاقتصار فقط على استهلاكها خلال فصل الشتاء.
يقول يونس الزاهري المتخصص في الحمية العلاجية والتغذية، لـ”سكاي نيوز عربية”، إن الفول المجفف المستخدم في تحضير “البيصارة”، غني بالبروتينات النباتية والفيتامينات والسكريات، غير أنه يحتوي بشكل كبير على مادة البوتاسيوم الذي ينصح الأطباء مرضى القصور الكلوي بعدم الافراط في تناولها.
ويؤكد الزاهري، على أن هذا الطبق غني بالأملاح المعدنية مثل الفوسفور والحديد، وكما يحتوي الفلفل الحار الذي يشكل بدوره أحد مكوناته، على عنصري “الكابسيسين” و”البربرين” المساعدان على تدفئة الجسم، فيما يساعد الثوم على تقوية المناعة.