أخبار عاجلة

“المال يُغنّي والقيم تُهمل: لماذا يفرّ الشباب من الزواج وتتفكك الأسر؟”

صوت المال يغلب القيم: تفكك المجتمع وعزوف الشباب عن الزواج في زمن التحديات الاقتصادية

اسماعيل خفاجي

في عصر يسيطر فيه الاقتصاد على قرارات الحياة اليومية، يشهد المجتمع تفككاً اجتماعياً متسارعاً يتجلى في عزوف الشباب عن الزواج، وارتفاع معدلات الطلاق بعد فترات قصيرة من الزواج.

هذه الظاهرة ليست مجرد خيار شخصي، بل تعكس تحولاً عميقاً في القيم الاجتماعية، حيث يعلو صوت المال على صوت الأخلاق والروابط الأسرية. وفقاً لإحصاءات حديثة، انخفضت معدلات الزواج في العديد من الدول العربية بنسب تصل إلى 20-30% خلال السنوات الأخيرة، بينما ارتفعت حالات الطلاق إلى مستويات مقلقة، مما يهدد بتفسخ بنية المجتمع وانخفاض معدلات الإنجاب

أسباب العزوف: الاقتصاد يقود الركب

يُعد العامل الاقتصادي السبب الرئيسي وراء تردد الشباب في الدخول إلى قفص الزوجية. في الدول العربية، مثل السعودية والإمارات والأردن، يشكو الشباب من غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزفاف، التي قد تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات، بالإضافة إلى أزمة السكن المتفاقمة بسبب ارتفاع الأسعار العقارية.

كما أن الطموحات المهنية والتعليمية تلعب دوراً كبيراً؛ إذ يفضل الكثيرون تأجيل الزواج لتحقيق الاستقلال المالي أو الحصول على درجات علمية عليا، خاصة مع انتشار النساء في سوق العمل، مما يؤدي إلى تأخر سن الزواج إلى ما بعد الثلاثين.

على الصعيد العالمي، تظهر الدراسات أن انخفاض معدلات الزواج بين الشباب يرتبط بصعوبة العثور على شريك “مناسب اقتصادياً”، حيث يشكل الاستقرار المالي شرطاً أساسياً للزواج. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، انخفضت نسبة المتزوجين بين الشباب من 45% في الثمانينيات إلى 9% فقط في العام الماضي، بسبب التركيز على المهن والتعليم.

كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تعزز هذا العزوف من خلال عرض نماذج حياة مثالية غير واقعية، مما يزيد من الضغط النفسي والخوف من الفشل.

بالإضافة إلى ذلك، تبرز أسباب نفسية مثل الخوف من الالتزام، حب العزلة، وتدني الثقة بالذات، خاصة في ظل الظروف الأمنية المتردية في بعض الدول مثل سوريا، حيث أدت الحروب والهجرة إلى تفاقم الفقر وعزوف الشباب عن بناء أسر.

الطلاق السريع وغلبة المال

ليس العزوف عن الزواج هو التحدي الوحيد؛ فحتى الذين يتزوجون يواجهون مشكلات سريعة تؤدي إلى انفصال مبكر. في العالم، ارتفعت معدلات الطلاق مع زيادة الاستقلال الاقتصادي للمرأة، حيث أصبحن قادرات على الخروج من علاقات غير مرضية دون الاعتماد على الزوج.

ومع ذلك، تشير البيانات إلى أن الأزمات الاقتصادية قد تقلل من الطلاق مؤقتاً، كما حدث خلال الركود الاقتصادي، لكنها تزيد من التوترات داخل الأسر.

في الدول العربية، يرتبط الطلاق بارتفاع التكاليف المعيشية والضغوط المالية، بالإضافة إلى نقص المهارات في حل النزاعات.

دراسات حديثة تشير إلى أن الطلاق يزداد في المناطق الحضرية بسبب التنمية الاقتصادية، التي تعزز الاستقلال الفردي على حساب القيم التقليدية.

كما أن التقليد الأعمى للعادات المكلفة، مثل المهور الباهظة، يساهم في تفاقم المشكلة، كما حذر مركز الأزهر للفتوى.

 تفسخ اجتماعي وانخفاض إنجابي

يؤدي هذا العزوف والطلاق السريع إلى تفكك المجتمع، مع انخفاض معدلات الإنجاب إلى مستويات تاريخية منخفضة، مثل 1.7 مولود لكل امرأة في الولايات المتحدة، ونسب مشابهة في الدول العربية.46e9e0 هذا يهدد بالشيخوخة السكانية وفقدان التوازن الاجتماعي، حيث يفضل الأفراد الحياة الفردية أو التعايش غير الرسمي على الزواج التقليدي.1ce156 كما أن غلبة “صوت المال” تؤدي إلى تراجع القيم الأخلاقية، مما يعزز الشعور بالعزلة والاكتئاب بين الشباب.

 نحو حلول مستدامة

لمواجهة هذه الظاهرة، يجب على الحكومات والمجتمعات تعزيز الدعم الاقتصادي للشباب، مثل تقديم قروض ميسرة للسكن والزواج، وتوعية حول أهمية القيم الأسرية. كما يدعو الخبراء إلى تقليل التكاليف الاجتماعية للزواج وتعزيز التواصل بين الأجيال. إن لم نتصدى لهذا التفسخ، فإن مستقبل المجتمع سيكون مهدداً بفقدان أساسه الأسري

عن وجه افريقيا