أخبار عاجلة

الصين تكشف عن مبادرة حوكمة عالمية: إصلاح جذري لنظام دولي أكثر عدلاً في ظل تحديات القرن

 

سحر رجب

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بالذكرى الـ80 لتأسيس الأمم المتحدة، أعلنت الصين عن مبادرة جديدة للحوكمة العالمية تهدف إلى إصلاح النظام الدولي القائم، مع التركيز على تعزيز تمثيل الجنوب العالمي ومواجهة التحديات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتغير المناخي.

تأتي هذه المبادرة كجزء من سلسلة مبادرات صينية تشمل التنمية والأمن والحضارة العالمية، وسط دعوات لتعزيز دور الأمم المتحدة كمركز للتعددية الأطراف.

خلفية المبادرة: دروس من التاريخ وتحديات الحاضر

تأسست الأمم المتحدة في عام 1945 كرد فعل على الدمار الذي خلفته الحربان العالميتان، لتشكل نواة للحوكمة العالمية القائمة على القانون الدولي وميثاقها.

على مدى ثمانية عقود، ساهمت هذه المنظومة في الحفاظ على السلام والتنمية، لكن الواقع الدولي اليوم يشهد اضطرابات متزايدة، مع تراجع التعددية الأطراف وتفاقم عجز الحوكمة.

وفقاً للوثيقة المفاهيمية الصادرة عن بكين، يعاني النظام الدولي من ثلاثة قصور رئيسية: أولاً، نقص تمثيل الجنوب العالمي، حيث يتطلب التصاعد الجماعي للدول النامية تصحيح الظلم التاريخي وزيادة صوتها.

ثانياً، تآكل السلطة، مع عدم الالتزام بميثاق الأمم المتحدة، وانتهاكات للقانون الدولي من خلال عقوبات أحادية الجانب. ثالثاً، الحاجة إلى زيادة الفعالية، خاصة في مواجهة تأخر أجندة 2030 للتنمية المستدامة، والفجوات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الفضاء السيبراني، والفضاء الخارجي.

كعضو دائم في مجلس الأمن وأكبر دولة نامية، تؤكد الصين التزامها ببناء السلام والمساهمة في التنمية العالمية.

تهدف المبادرة إلى الإجابة على سؤال عصري: “ما هي منظومة الحوكمة التي سنبنيها؟”، مع الدفع نحو نظام أكثر إنصافاً يعتمد على التشاور والتعاون، لتحقيق مجتمع مصير مشترك للبشرية.

المفاهيم الأساسية: “الالتزامات الخمسة” لإعادة تشكيل العالم

ترتكز المبادرة على خمسة مبادئ أساسية، مستمدة من ميثاق الأمم المتحدة، تهدف إلى تعزيز الإنصاف والفعالية:

المساواة في السيادة

احترام سيادة جميع الدول دون تدخل في شؤونها الداخلية، مع دمقرطة العلاقات الدولية وزيادة تمثيل الدول النامية لتعكس مصالح الأغلبية.

سيادة القانون الدولي

الحفاظ على مبادئ الميثاق كقواعد أساسية، مع صياغة قواعد جديدة للمجالات الناشئة عبر توافق واسع، ورفض المعايير المزدوجة أو فرض الإرادة.

التعددية الأطراف

الالتزام بالتشاور والتعاون بدلاً من الأحادية، مع تعزيز دور الأمم المتحدة وآلياتها الإقليمية، وتجنب الترتيبات الإقصائية.

وضع الشعب في المقام الأول

جعل الشعوب محور الحوكمة، من خلال تعزيز التنمية المشتركة، الاستجابة للتحديات العالمية، وتعزيز الشعور بالأمن والسعادة.

تحقيق نتائج ملموسة

التركيز على حلول مستدامة تجمع بين معالجة الأعراض والأسباب، مع مسؤولية أكبر للدول المتقدمة في تقديم الموارد، وتعزيز التضامن بين الدول النامية.

هذه المبادئ تؤكد أن الإصلاح لا يعني إسقاط النظام القائم، بل تحسينه لمواجهة التحديات بفعالية أكبر، خاصة لصالح الدول النامية.

الخطوات القادمة: تعاون دولي وأولويات عملية

تُعد هذه المبادرة الرابعة في سلسلة صينية، بعد مبادرات التنمية والأمن والحضارة العالمية، حيث تركز كل منها على جوانب مختلفة لضخ طاقة إيجابية في عالم متغير. ستُنفذ المبادرات بالتوازي لدعم تقدم البشرية.

ستعتمد الصين على الأمم المتحدة والآليات المتعددة الأطراف لتعزيز التواصل والتنسيق، مع التركيز على مجالات عاجلة مثل إصلاح الهيكل المالي الدولي، الذكاء الاصطناعي، الفضاء السيبراني، تغير المناخ، التجارة، والفضاء الخارجي.

كما ستدعم تنفيذ “ميثاق المستقبل” للأمم المتحدة، بهدف حشد توافقات واسعة وتحقيق نتائج مبكرة.

في بيانها، أكدت الصين التزامها بحماية النظام الدولي القائم على القانون، وسط تغيرات دولية، مع دعوة للتعاون مع “كافة القوى المتقدمة” لبناء مجتمع مصير مشترك. وستعتمد المبادرة على روح الابتكار والانفتاح، لتنويع سبل الإصلاح من خلال التشاور المشترك.

تأثير محتمل: نحو عالم أكثر سلاماً وازدهاراً

مع تزايد الترابط البشري، يُرى في تعزيز الحوكمة العالمية خياراً استراتيجياً لتقاسم الفرص ومواجهة التحديات.

تؤكد الصين استعدادها للتعاون مع جميع الأطراف لاستكشاف سبل الإصلاح، مما قد يفتح أفقاً جديداً للسلام والتقدم.

هذه المبادرة تأتي في سياق تصاعد الدعوات الدولية لإصلاح الأمم المتحدة، وسط توترات جيوسياسية وأزمات بيئية، مما يجعلها خطوة محتملة نحو نظام عالمي أكثر توازناً. مع ذلك، يظل نجاحها مرهوناً بمشاركة واسعة من المجتمع الدولي.

عن وجه افريقيا