الرياض – خاص سحر رجب
في أجواء الخريف السعودي الدافئة، يستعد عشاق الصقارة لأكبر تجمع سنوي يجسد روح التراث البدوي، حيث ينطلق مزاد نادي الصقور السعودي 2025 مطلع أكتوبر في مقر النادي بمَلهم شمال الرياض، ويمتد لـ60 يومًا حتى 30 نوفمبر.
هذا الحدث ليس مجرد بيع وشراء للصقور، بل احتفاء بموروث ثقافي عمره آلاف السنين، يجمع الصقارين من جميع أنحاء المملكة لتبادل الخبرات وتعزيز الاستدامة البيئية، في إطار رؤية السعودية 2030 للحفاظ على الإرث الوطني.
تاريخ الصقارة
يعود تاريخ الصقارة إلى آلاف السنين، حيث تعدُّ هواية قديمة، وحرفة أصيلة تجذَّرت في أعماق الحضارات التي عاشت على شبه الجزيرة العربية، كما تمثِّل تراثًا ثقافيًّا غنيًّا يعكس تآلف الإنسان مع الطبيعة ومهاراته في التعامل مع الكائنات الحية.
حيث طوَّع الإنسان الصقور بأنواعها من أجل الصيد لتوفير الغذاء في الصحراء القاسية وتارةً لكسب العيش، وتارةً أخرى من أجل ممارسة هذه الهواية النبيلة التي تنطوي على قدر كبير من المهارة والصبر.
كما تعد رمزًا للفروسية والشجاعة. وكان الملوك والأمراء يمارسونها كوسيلة لإظهار قوتهم وبراعتهم
وفقًا لآثار أثرية اكتشفت في المنطقة، كانت الصقور –خاصة الشاهين البحري– رفيقًا أمينًا للصيادين، وتطورت الهواية لتصبح رمزًا للشجاعة والكرم، مرتبطة بالقبائل العربية منذ العصور الوسطى.
وفي السعودية، حيث يُعد الصقر رمزًا وطنيًا، أدرجت اليونسكو الصقارة في 2010 ضمن قائمة التراث الإنساني غير المادي للبشرية، مشيدة بدورها في تعزيز الوعي البيئي والتبادل الثقافي عبر طريق الحرير القديم.
اليوم، تحولت الصقارة من مجرد هواية إلى صناعة اقتصادية مزدهرة، حيث يُقدر حجم سوق الصقور في السعودية بملايين الريالات سنويًا، مع مشاركة آلاف الصقارين في المهرجانات والمزادات.
ويُعد نادي الصقور السعودي، الذي تأسس في 2008 تحت رعاية الملك سلمان بن عبدالعزيز، الركيزة الرئيسية لهذا التراث.
يقدم النادي برامج تدريبية متقدمة، ويُشرف على مزارع إنتاج الصقور، وينظم فعاليات دولية تجذب مشاركين من الإمارات وقطر وأوروبا، مما يعزز مكانة السعودية كـ”عاصمة عالمية للسياحة الصقرية”.
أما مزاد 2025، فيأتي كحدث محوري مخصص لصقور الطرح المحلي، مقتصرًا على فراخ الشاهين البحري المهاجر، مع التزام صارم بعدم طرح الشاهين القرناس لحماية سلالته المهددة بالانقراض.
ينظم النادي فرقًا ميدانية في مناطق المملكة المختلفة لاستقبال الطوارئ (صيادي الصقور المبتدئين) وضمان وصولهم بسلام، إلى جانب تسهيلات تشمل النقل، السكن، وتوثيق الصفقات بشفافية تامة.
“يهدف المزاد إلى تنظيم سوق الصقور بشكل مهني، ودعم الاستثمار في هذا القطاع الواعد، مع التوعية بالحفاظ على التنوع البيولوجي”، كما أوضح النادي في بيان رسمي.
يتزامن المزاد مع معرض الصقور والصيد السعودي الدولي من 2 إلى 11 أكتوبر، الذي يجمع مئات الزوار لعروض حية ومنافسات، مع بث مباشر عبر القنوات التلفزيونية وحسابات النادي على “إكس” ويوتيوب، حيث يتجاوز عدد المتابعين ملايين.
وفي ختام كل ليلة، تُقدم جوائز قيمة للطوارئ، مما يشجع الشباب على الانخراط في هذه الهواية الأصيلة، ويحولها إلى مصدر دخل مستدام.
كما ساهم النادي في حملات حفظ بيئي، مثل برامج إعادة تأهيل الصقور المهاجرة، بالشراكة مع منظمات دولية، مما قلل من التجارة غير الشرعية بنسبة تصل إلى 70% في السنوات الأخيرة.
مع تزايد الاهتمام الدولي، أصبحت الصقارة السعودية نموذجًا للتوازن بين التراث والحداثة، حيث يجمع بين الإثارة الرياضية والمسؤولية البيئية.
هل سيكون مزاد 2025 الشرارة لجيل جديد من الصقارين؟ الإجابة تكمن في أجنحة الشاهين التي ستحلق فوق مَلهم قريبًا، معلنة استمرارية موروث يتجاوز الحدود.