سحر رجب
انطلقت اليوم فعاليات المنتدى العربي الأول للذكاء الاصطناعي في مدينة العلمين الجديدة، تحت رعاية الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، وبمشاركة نخبة من المسؤولين والخبراء العرب، في خطوة تاريخية لتعزيز التعاون العربي في مجال الذكاء الاصطناعي. هذا الحدث، الذي استضافته الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، يمثل تجسيداً لمبادرة الأمين العام التي أقرتها القمة العربية التنموية في بغداد مايو 2025، بهدف دفع التنمية المستدامة والريادة التكنولوجية في المنطقة العربية.
الذكاء الاصطناعي: ثورة تفكير وعمل
في كلمته الافتتاحية، أكد أحمد أبو الغيط أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تكنولوجية، بل “ثورة في طريقة التفكير والعمل”، مشيراً إلى تسارع تطوراته، خاصة في مجالات النماذج اللغوية الكبيرة والذكاء التوليدي، التي وصفها بـ”سباق تسلح” بين القوى العالمية. وشدد على أهمية المنتدى كمنصة لتبادل الخبرات والممارسات، بهدف تحقيق توازن بين استغلال الإمكانيات الهائلة للذكاء الاصطناعي ومواجهة مخاطره على القيم الإنسانية والأخلاقية.
وأضاف أبو الغيط أن المنتدى يعكس التزام جامعة الدول العربية بجعل الذكاء الاصطناعي أولوية استراتيجية في خطط التنمية الوطنية، مشيراً إلى الخطوات الملموسة التي اتخذتها الجامعة، بدءاً من اعتماد الاستراتيجية العربية للذكاء الاصطناعي في يناير 2024، مروراً بدائرة الحوار العربية في فبراير 2025، وصولاً إلى قرارات لجنة التنسيق العليا في تونس بأبريل الماضي.
مصر تقود الريادة التكنولوجية
الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ورئيس الدورة الحالية لمجلس الوزراء العرب للاتصالات والمعلومات، أكد أن التعاون العربي في مجال الذكاء الاصطناعي “لم يعد ترفاً بل ضرورة حتمية”.
واقترح إنشاء مجلس وزراء عربي للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات البازغة تحت مظلة الجامعة، ليكون منصة لتنسيق السياسات وتعزيز الحضور العربي على الساحة الدولية. وأشار إلى أن المنتدى يمثل محفلاً جامعاً لإثراء النقاشات العلمية حول مستجدات الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على أولويات الدول العربية.
من جانبه، أبرز الدكتور إسماعيل عبد الغفار، رئيس الأكاديمية العربية، الدور الريادي للمؤسسة في دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم والتطبيقات العملية، مثل تحسين عمليات النقل البحري واللوجستيات، مؤكداً التزام الأكاديمية بتعزيز البحث والتطوير في هذا المجال.
خارطة طريق لمستقبل عربي ذكي
المنتدى، الذي يستمر يومي 27 و28 أغسطس، يهدف إلى تحويل الرؤية العربية للذكاء الاصطناعي إلى واقع عملي من خلال عدة محاور: بناء إطار عربي مشترك يحترم القيم والثقافة العربية، تعزيز التعاون مع رواد الذكاء الاصطناعي عالمياً، دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم، وتطوير بنية تحتية رقمية قوية. كما يسعى إلى دعم الشركات الناشئة وخلق فرص عمل جديدة، مع ضمان الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي وحماية السيادة الرقمية.
وأكد المشاركون على أهمية “الميثاق العربي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي”، الذي اعتمده المكتب التنفيذي لمجلس الوزراء في يوليو 2025، كوثيقة استرشادية لضمان استخدام مسؤول وعادل للذكاء الاصطناعي، مع احترام الخصوصيات الثقافية والمجتمعية العربية.
تحديات وطموحات
رغم الجهود المبذولة، أشار أبو الغيط إلى تحديات رئيسية، أبرزها ضعف الإنفاق على البحث والتطوير في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة العربية. ودعا إلى زيادة الاستثمارات لتحويل الدول العربية من مستهلكين للتكنولوجيا إلى منتجين ومطورين، مما سيسهم في جذب الاستثمارات الخارجية وسد الفجوة الرقمية بين الدول العربية.
ختاماً: دعوة للتعاون والابتكار
اختتم أبو الغيط كلمته بالتأكيد على أن المنتدى فرصة ذهبية لرسم ملامح مستقبل الذكاء الاصطناعي في الوطن العربي، داعياً إلى مضاعفة الجهود في البحث والابتكار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ووجه الشكر للأكاديمية العربية على تنظيمها المتميز، وللمشاركين من وزراء وخبراء ورواد أعمال، معرباً عن ثقته في أن توصيات المنتدى ستشكل خارطة طريق لمستقبل رقمي عربي مزدهر.
المنتدى العربي الأول للذكاء الاصطناعي ليس مجرد حدث، بل بداية لعصر جديد يعزز مكانة العالم العربي في سباق التكنولوجيا العالمي، حيث الذكاء الاصطناعي ليس خياراً، بل ضرورة لتحقيق الريادة والازدهار.