قناة الجزيرة
وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أول أمس الثلاثاء إلى مدينة بورتسودان، في أول زيارة له منذ اندلاع المواجهات المسلحة في السودان في منتصف أبريل من العام الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأجرى خلالها محادثات مغلقة مع رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان.
ويحتل ملف الصراع السوداني مكانة متقدمة من حيث الأهمية للجانب الإثيوبي؛ لتشابك المصالح في أبعادها الأمنية والجغرافية والسياسية والاقتصادية، مثلما أن إثيوبيا تعد مهمة من الناحية الجيوسياسية للسودان وبينهما ملفات خلافية لا تزال مفتوحة منها سد النهضة والحدود.
وتعدّ الزيارة تحولا كبيرا في الموقف الإثيوبي مما يجري طوال عام ونصف من الحرب في السودان، وقد أرجع محللون ذلك للأسباب الخمسة التالية.
أولا- هندسة مرحلة ما بعد البشير:
تعدّ إثيوبيا مساهما رئيسا في هندسة مرحلة ما بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019 التي تابع فيها آبي أحمد بنفسه سلسلة الاجتماعات والمفاوضات بين المدنيين والعسكريين التي أسفرت عن اتفاق الشراكة السياسية في ما عرف بالوثيقة الدستورية، وأصبحت أديس أبابا أكثر العواصم قربا من الخرطوم والقوى السياسية الحاكمة بقيادة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، وكان الزعيم الإثيوبي يتطلع إلى جني ثمار ذلك سياسيا داخليا وإقليميا.
ويرى محللون أن اندلاع الحرب واتخاذ آبي أحمد موقفا بدا مؤيدا لقوات الدعم السريع وقيادة تحركات إقليمية لمحاصرة الحكومة السودانية واعتبارها غير مؤهلة للحكم ومطالبته بحظر طيران الجيش السوداني؛ كلها عوامل وضعته في دائرة الخصوم، ومن ثم فإن الزيارة قد تكون بهدف تقليل الخسائر وتحقيق بعض المكاسب في وقت استطاع فيه الجيش السوداني استعادة توازنه في أرض المعركة.
ثانيا- التنافس مع القاهرة:
نجحت مصر، خصم إثيوبيا اللدود، في جمع كل ألوان الطيف السياسي السوداني في مؤتمر بالقاهرة قبل 3 أيام حظي فيه التحرك المصري بإشادة وترحيب وارتياح سوداني في عمومه لما خلقه من زخم فشلت أديس أبابا في إحداثه رغم أنها تستضيف منذ اندلاع الحرب بعض قوى المعارضة السودانية النشطة ذات التأييد الغربي الكبير والتي كثيرا ما اتهمت بالضلوع في ما يحدث بسبب عدم إدانتها الواضحة لانتهاكات الدعم السريع في السودان.
ثالثا- قرب المعارك من سد النهضة:
امتداد القتال إلى جنوب النيل الأزرق وقربه من موقع سد النهضة الإثيوبي الذي يبعد نحو 40 كيلومترا عن الحدود السودانية يخيف الجانب الإثيوبي وقد يهدد سير العمل في السد وربما استهدافه عن غير قصد نتيجة تبادل القصف، بجانب أن قوات الدعم السريع في معظمها قوات متفلتة ومتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة في السودان.
ولا يستبعد بعض المحللين أن تتسلل إلى داخل إثيوبيا إذا أجبرتها ضراوة القتال على ذلك، وهناك خشية من تجنيدها للإضرار بالجانب الإثيوبي خاصة أن بينها مرتزقة من دول عدة في الإقليم يعملون لأجل المال. ومن شأن تطورات في هذا الاتجاه أن تفجر الوضع في المنطقة كلها، في وقت تدهورت فيه العلاقات مع حليفها السابق إريتريا.
رابعا- نزاعات قبائل الأمهرة والتيغراي:
وجود نزاعات وتوترات في مناطق قبائل الأمهرة والتيغراي والعفر القريبة من الحدود الشرقية للسودان يمكن أن تتحول إلى حرب واسعة النطاق كما حدث مع التيغراي الذين كادوا قبل عامين تقريبا أن يصلوا إلى العاصمة أديس أبابا قبل التوصل إلى اتفاق هش لوقف القتال أعقبه قبل أيام مؤتمر للمصالحة الوطنية يخشى آبي أحمد أن تتسبب أي مواجهات حدودية في انهياره.
خامسا- ميناء بربرة:
تحتاج إثيوبيا لتحييد موقف السودان في موضوع الاتفاق بشأن ميناء بربرة، الذي وقعته أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال والذي أبدت كل من الصومال وإريتريا ومصر معارضة صريحة له.