في كل عام، يعود ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليملأ قلوب المسلمين فرحاً وتأملاً.
إنه حدث يجسد النور الذي أشرق على العالم، محولاً الجاهلية إلى عصر الهداية والرحمة.
ومع ذلك، هل نحتفل بهذا المولد بطريقة تعكس جوهره الحقيقي، أم أننا سقطنا في فخ الخرافات والممارسات المشوهة؟ هذا السؤال يطرح نفسه بقوة، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية اليوم.
في هذه المقالة، نستعرض الاحتفال بالمولد النبوي بين اليقين الإيماني والانحرافات التي تبتعد عن الشرع، مستلهمين من سيرة النبي الكريم لنرسم طريقاً أصيلاً للاحتفال.
الاحتفال الحقيقي: عودة إلى الجذور الإيمانية
لا يعترض أحد على الفرح بمولد خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، فهو صاحب الرسالة التي غيرت مجرى التاريخ. لكن الاعتراض يأتي عندما يتحول الاحتفال إلى مناسبات مليئة بالفسوق والفجور، مخالفة لأحكام الشرع.
تخيل سرداقات تبيع الحلوى بجانب مراجيح وسيرك يعرض الراقصات مفاتنهن لجذب الرجال – هل هذا يعكس إيماناً حقيقياً؟ بالعكس، إنه دليل على غياب الإيمان العميق، حيث يصبح الاحتفال مجرد طقوس سطحية تخلو من الروحانية.
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بالمعجزات والدروس التي تستحق التأمل. منذ مولده، صاحبته علامات إلهية: انطفاء نيران بلاد الفرس، غرق بحيرة ساوة، ورؤيا أمه السيدة آمنة بنور يخرج منها يضيء قصور الشام.
ثم شق صدره الشريف في ضيافة مرضعته حليمة السعدية، وعمل راعياً للغنم، ثم تاجراً لدى أشرف النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
تلت ذلك التعبد في غار حراء، نزول الوحي، والوصول إلى اليقين بتلاوة القرآن الكريم، مصحوباً بآلام جسدية ومعنوية.
ثم التكليف السماوي بنبوته ورسالته لأمة العرب، مروراً بمراحل الدعوة، إيذاء المشركين، الهجرة، الغزوات، والفتوحات الإسلامية التي نشرت العدل والرحمة.
بدلاً من تعليم النشء هذه السيرة العطرة، نختصر الاحتفال بشراء حلوى المولد أو زيارة ما يُعتقد أنه أضرحة أولياء، حيث تقام الخيم التي تتحول إلى أماكن للمعاصي مثل شرب المخدرات ومجالسة النساء بشكل مخالف.
هذا ليس احتفالاً، بل انحرافاً يجاهر بالمعاصي ويضيع الصلاة، في وقت يجلس فيه البعض على موائد البغاة وأصحاب الرايات الحمراء.
الاحتفال في ظل التحديات المعاصرة تناقض مؤلم
أما اليوم، فكيف نحتفل ودين محمد – دين الإسلام – يُحارب، والمسلمون يُقتلون؟ في غزة، يموت الأهالي جوعاً وعطشاً تحت وطأة الاحتلال، بينما يستمر مخطط صهيوني لطمس الهوية العربية والإسلامية، وتغيير خارطة الشرق الأوسط الجديد. أعداء الإسلام مصممون على محو كل ما هو إسلامي، محاربين الله نفسه، نهب ثروات الفقراء في العالم العربي والأفريقي، واستنساخ دين جديد وقرآن مزيف، مع محو اللغة العربية لتحل محلها الإنجليزية والعبرية.
في هذا السياق، يبدو الاحتفال التقليدي تناقضاً صارخاً.
محمد رسول الله والذين آمنوا معه كانوا ركعاً سجداً، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً.
تحملوا الإيذاء والعذاب حتى جاءت الدعوة إلينا على طبق من ذهب.
أما نحن، فنجاهر بالمعاصي، نضيع الصلاة، وننشغل بغير الله في غياب القدوة الحسنة. طفح الكيل، فسدت الذمم، تغيرت السلوكيات، وأصبح كل شيء مباحاً.
دعوة للاحتفال الأصيل: التقوى مفتاح النصر
أيها المسلمون، أفيقوا! احتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بذكر الله، والصلاة والسلام عليه.
عندئذ، نكون قد اتقينا الله، ويجعل لنا مخرجاً كما وعد في كتابه الكريم: “ومن يتق الله يجعل له مخرجاً”.
ما أحوجنا إلى هذا المخرج في زمن التحديات، حيث يجب أن نعود إلى اليقين الإيماني، متخلصين من الخرافات التي تشوه صورة الإسلام.
في النهاية، المولد النبوي ليس مجرد مناسبة للفرح العابر، بل فرصة لتجديد العهد مع الرسالة النبوية. دعونا نحوله إلى لحظة تأمل وعمل، لنبني أمة قوية تستحق تراث النبي الكريم.
كاتب صحفي، نائب رئيس تحرير الأخبار