إعلام تحت النار: كيف تُشكّل الروايات الإعلامية مصير الأمم

 

اسماعيل خفاجي

في عالم تتصارع فيه الروايات وتتشابك المصالح، يبرز الإعلام كسلاح ذي حدين، قادر على بناء الوعي أو تدميره. في ظل التوترات السياسية والصراعات الإقليمية، تتزايد الانتقادات للإعلام المحسوب على الدول، والذي يُتهم أحياناً بالتحريض أو تشويه الحقائق لخدمة أجندات سياسية أو شخصية.

في هذا التقرير، نستعرض الآثار السلبية للمزايدات الإعلامية، ودورها في تأجيج الصراعات، مع التركيز على قضايا مثل حرب غزة، تأثير الإعلام العبري، وسبل معالجة الخلل المعلوماتي في وسائل التواصل الاجتماعي.

الأثر السلبي لمزايدات الإعلام المحسوب على الدولة

يُعتبر الإعلام المحسوب على الدول أداة قوية لتوجيه الرأي العام، لكنه قد يتحول إلى منصة للتحريض عندما يخضع لضغوط سياسية أو اقتصادية.

تصريحات إعلاميين بارزين، مثل تلميحات الإعلامي المصري عمرو أديب حول إمكانية دخول مصر في حرب مع إسرائيل، أثارت جدلاً واسعاً.

هذه التصريحات، التي قد تكون مدفوعة بمصالح شخصية أو رغبة في جذب الانتباه، تُسهم في تأجيج التوترات وتعكير الأمن الداخلي والخارجي.

مثل هذه المزايدات تُشتت الرأي العام وتُضعف الثقة في المؤسسات الرسمية، مما يستدعي فلترة الإعلام من “أبواق التحريض” التي تُروّج للصراعات بدلاً من حلها.

هل نجح الإعلام العبري في قلب الحقائق؟

في سياق الصراع العربي-الإسرائيلي، يُتهم الإعلام العبري والغربي بالعمل على قلب الحقائق لصالح أجندات سياسية، مثل دعم مخططات إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

خلال حرب غزة، برزت روايات إعلامية غربية تصور إسرائيل كضحية، بينما تُغفل بشاعة التجويع والتهجير القسري في القطاع.

على النقيض، لم يتمكن الإعلام العربي من تقديم رواية موحدة وقوية تكشف حجم المعاناة في غزة، مما سمح للرواية الصهيونية بالسيطرة على الساحة الدولية.

هذا الفشل يعكس غياب تنسيق إعلامي عربي يستطيع مواجهة الهجمات المضادة ونقل الحقيقة بفعالية.

الخلل المعلوماتي في وسائل التواصل الاجتماعي

أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، واتساب، وتيك توك، ساحة لنشر المعلومات المغلوطة والتحريض.

منشورات وفيديوهات تحمل خطابات كراهية أو أخباراً مزيفة تُسهم في زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

لمعالجة هذا الخلل، يُطالب الخبراء بتشديد الرقابة على المحتوى المنشور، مع وضع آليات لمحاسبة مروجي الأخبار الكاذبة. في مصر، يُطالب البعض بتفعيل قوانين صارمة لمراقبة المحتوى السياسي والاجتماعي، مع ضمان عدم المساس بحرية التعبير.

كما يُقترح إنشاء منصات إعلامية عربية موحدة تُركز على رصد الحقائق وتفنيد الأكاذيب باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل المحتوى.

حرب غزة: فشل إعلامي أم هيمنة غربية؟

خلال حرب غزة، كشفت الصور المروعة للتجويع والتهجير القسري عن فشل الإعلام العربي في نقل هذه الحقائق بقوة إلى العالم. بينما نجحت وسائل إعلام غربية وإسرائيلية في تقديم روايات تُبرر العنف ضد الفلسطينيين، عجز الإعلام العربي عن توحيد صوته لفضح هذه الانتهاكات.

هذا الفشل يعزى إلى غياب استراتيجية إعلامية مشتركة، وقلة التنسيق بين الدول العربية، مما سمح للإعلام الغربي بفرض روايته وتحويل القاتل إلى ضحية في أعين الرأي العام الدولي.

توصيات لإصلاح المنظومة الإعلامية

تشديد الرقابة الذكية

يجب على الدولة المصرية تطوير آليات رقابة متقدمة على وسائل التواصل الاجتماعي، مع التركيز على محاسبة المحرضين دون تقييد حرية التعبير.

إعلام عربي موحد

إنشاء منصة إعلامية عربية مشتركة تُعنى بنقل الحقائق ومواجهة الروايات المغلوطة باستخدام أدوات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي.

تدريب إعلامي

تعزيز قدرات الإعلاميين العرب على صياغة روايات قوية ومؤثرة تُبرز الحقائق وتفضح الانتهاكات.

تشريعات رادعة

وضع قوانين تحمي الأمن القومي من المحتوى التحريضي، مع ضمان الشفافية في تطبيقها.

في الختام الإعلام ليس مجرد أداة لنقل الأخبار، بل قوة تشكل الوعي وتؤثر في مصير الأمم. في ظل تحديات مثل حرب غزة والتضليل الإعلامي، يصبح من الضروري إعادة تقييم دور الإعلام العربي وتفعيل آليات رقابة ذكية تحمي المجتمعات من التحريض والأكاذيب.

إن توحيد الجهود الإعلامية العربية وتطوير استراتيجيات متقدمة لمواجهة الهجمات المضادة هو السبيل لاستعادة الرواية ونقل الحقيقة إلى العالم.

عن وجه افريقيا