سحر رجب
في تطور يثير مخاوف واسعة من تكرار الأخطاء التاريخية، كشفت تقارير حديثة عن توسع التعاون الإسرائيلي مع ميليشيات فلسطينية منظمة في قطاع غزة، حيث بدأت هذه المجموعات في الانتشار إلى خان يونس بعد سيطرتها الأولية في رفح.
وفقًا لشهادات جديدة، يقوم الجيش الإسرائيلي (IDF) وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) بتنسيق عمليات قتالية مع هذه الميليشيات، مقابل رواتب مالية وتخصيص أراضٍ، في محاولة لمواجهة حركة حماس وضمان تدفق المساعدات.
ومع ذلك، يحذر مراقبون من أن هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى فوضى أكبر، حيث يُوصف أعضاء هذه الميليشيات بأنهم مجرمون ولصوص وقتلة، لا علاقة لهم بالمقاومة الفلسطينية الحقيقية.
بدأت القصة في يونيو الماضي، عندما اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علنًا بدعم “عشائر فلسطينية” مسلحة في غزة لمواجهة حماس، مشيرًا إلى أن هذا الدعم يساهم في توفير حياة الجنود الإسرائيليين.
أبرز هذه المجموعات هي “القوات الشعبية” بقيادة ياسر أبو شباب، البالغ من العمر 31 عامًا، وهو عضو في قبيلة الترابين البدوية.
أبو شباب، الذي كان محتجزًا سابقًا بتهم تتعلق بالمخدرات ولديه روابط مزعومة بتنظيم داعش، هرب من السجن خلال أحداث أكتوبر 2023، وسرعان ما شكل ميليشيا تضم نحو 100 مسلح.
بدأت عملياتهم في رفح، حيث يُتهمون بنهب شاحنات المساعدات الإنسانية تحت حماية الجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى سرقة نحو 90% من الشاحنات الداخلة إلى غزة، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
مع توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب غزة، انتقلت هذه الميليشيات إلى خان يونس، حيث يُشاركون في مهام أمنية وقتالية مباشرة، مثل حماية مراكز توزيع المساعدات التابعة لـ”مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومع ذلك، يُنفي أفراد قبيلة أبو شباب أي صلة به، متهمين إياه بالتعاون مع إسرائيل، مما يعكس الانقسامات الداخلية في المجتمع الغزاوي.
كما أن هناك مخاوف من أن هذه الميليشيات تُستخدم كواجهة لعمليات “التطهير العرقي”، من خلال بناء معسكرات تركز في جنوب غزة لإجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين على النزوح، تمهيدًا لترحيلهم إلى دول ثالثة، رغم رفض مصر لذلك.
في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين، يُبرر الدعم لهذه المجموعات بأنها بديل عن سيطرة حماس، لكن قادة المعارضة الإسرائيلية حذروا من أن “الأسلحة التي تدخل غزة ستُوجه في النهاية نحو الجنود والمدنيين الإسرائيليين”.
هذا التحذير يذكر بأخطاء الشاباك التاريخية، حيث ساهم الدعم السابق لحماس في الثمانينيات في تعزيزها كقوة معارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما أدى إلى صعودها لاحقًا كتهديد رئيسي.
اليوم، يُخشى أن تتحول هذه الميليشيات الإجرامية إلى “وحوش” جديدة، تزيد من الفوضى في غزة التي تعاني بالفعل من مجاعة ودمار واسع النطاق.
مع استمرار الضربات الإسرائيلية، التي أسفرت عن مقتل عشرات آلاف من الفلسطينيين منذ اكتوبر ٢٠٢٣ يرى محللون أن استراتيجية “القبائل” هذه حل قصير الأمد، قد يؤدي إلى تفكك اجتماعي أعمق في غزة، ويعيق أي حل سياسي طويل الأمد.
هل ستكون هذه الميليشيات الجديدة في خان يونس بداية لدورة عنف جديدة، أم مجرد حلقة في سلسلة الأخطاء الإسرائيلية؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة، لكن الشواهد تشير إلى أن إسرائيل تلعب بالنار فعلاً.